العدوان على بيوت الله تعالى ؟!
المساجد أشرف بقاع الأرض ، وكرمها ربنا تعالى وشرفها فنسبها إلى نفسه المقدسة ، فقال ( وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ) الجن .
وأخبر أن عمارتها بالتشيد والبناء ، أو بالصلاة وقراءة القرآن والذكر ، من علامات الإيمان ، فقال تعالى ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة .. ) التوبة .
وحذر الله تعالى من تعطيلها أو الاعتداء عليها أو هدمها : ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) (البقرة : 114) .
ذكر المفسرون في المراد من الذين ( منعوا مساجد الله وسعوا في خرابها ) قولين :
أحدهما: أنهم النصارى ، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه .
وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد؛ وروى عبد الرزاق عن قتادة قال: هو بختنصر وأصحابه ، خرب بيت المقدس ، وأعانه على ذلك النصارى ، من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا عليه السلام .
ثانيهما: ما رواه الطبري : عن ابن زيد قال : هؤلاء المشركون الذين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وبين أن يدخلوا مكة ، حتى نحر هديه بذي طوى ، وهادنهم وقال لهم : ما كان أحد يصد عن هذا البيت ، وقد كان الرجل، يلقى قاتل أبيه وأخيه فلا يصده ، فقالوا : لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باق ؟!
وهذا القول أقرب ، واختاره ابن كثير وغيره .
فبيَّن الله تعالى أن ظلمهم في ذلك لم يبلغه أحد ممن قبلهم ؛ إذ منعوا مساجد الله ، وسدوا طريق الهدى ، وحالوا بين الناس وبين زيارة المسجد الحرام ، الذي هو فخرهم ومكانتهم ، وبيَّن أيضاً أن هذا ليس شأن من يطلب صلاح الخلق ، بل هذا شأن الكافر بالله ، والحاسد المغتاظ من أهل الايمان .
وكون هذه الآية نزلت في مشركي العرب ، لا يعني أنها لا تتناول غيرهم ممن يصدُّ عن ذكر الله ، ويمنع الناس من إقامة ما أمر الله به أن يقام ؛ فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والذمُّ في الآية يتناول كل من منع مساجد الله أن يعبد الله فيها حق العبادة ؛ إذ المقصد الأساس من إقامتها عبادة الله وذكره ، فكل ما يكون منعاً لهذه المساجد من أداء رسالتها التي قامت لأدائها ، يكون مخرباً لها ، ومعطلاً لمقصدها الأساس ، وحُقَّ بمن يفعل ذلك أن يوصف بأنه من أظلم الظالمين .
وفيه تحريم منع المساجد من أن يذكر فيها اسم الله سواء كان ذكر الله : صلاة ، أو قراءة للقرآن ، أو تعليماً للعلم ، أو غير ذلك .
ويدل لهذا العموم صيغة الجمع في قوله تعالى: { مساجد الله }، فهذه الصيغة تفيد أن المنع ليس محصوراً على ما حصل في المسجد الحرام ، بل يشمل أيضاً كل من يمنع الناس ويصدهم عن عبادة الله في أي مسجد من مساجد الأرض ، وتلك جريمة عظيمة يستحق فاعلها عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة .
وتحريم تخريب المساجد يشمل الخراب الحسي والمعنوي ؛ لأنه قد يتسلط بعض الناس على هدم المساجد حسًّا بالمعاول والقنابل ونحوها ؛ وقد يخربها البعض معنًى ، بحيث ينشر فيها البدع والخرافات المنافية لوظيفة المساجد الصحيحة .
ومن ذلك : أن يوضع في المساجد ما يكون سبباً للشرك ؛ لأن { مساجد الله } معناها : مواضع السجود له ؛ فإذا وضع فيها ما يكون سبباً للشرك ، فقد خرجت عن موضوعها ، مثل أن يقبر فيها الموتى أو تقام فيها الأضرحة ؛ فهذا محرم لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر.
تحريم منع المساجد من أن يذكر فيها اسم الله سواء كان ذكر الله: صلاة ، أو قراءة للقرآن، أو تعليماً للعلم، أو غير ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
وأخذ بعض العلماء من هذه الآية : تحريم التحجر؛ وهو أن يضع شيئاً في الصف ، فيمنع غيره من الصلاة فيه ، ويخرج من المسجد ؛ قالوا: لأن هذا منع المكان الذي تحجره بالمسجد أن يذكر فيه اسم الله ؛ لأن هذا المكان أحق الناس به أسبق الناس إليه ؛ وهذا قد منع من هو أحق بالمكان منه أن يذكر فيه اسم الله ؛ وهذا مأخذ قوي ؛ ولا شك أن التحجر حرام : أن الإنسان يضع شيئاً ويذهب ، ويبيع ويشتري ، ويذهب إلى بيته يستمتع بأولاده وأهله ؛ وأما إذا كان الإنسان في نفس المسجد فلا حرج أن يضع ما يحجز به المكان ، بشرط ألا يتخطى الرقاب عند الوصول إليه ، أو تصل إليه الصفوف ؛ فيبقى في مكانه ؛ لأنه حينئذ يكون قد شغل مكانين انتهى .
وقوله تعالى في الآية ( أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة : 114) .
فيها معان :
الأول : أي : ما كان ينبغي لهؤلاء أن يدخلوها إلا خائفين ، فضلاً عن أن يمنعوا عباد الله منها ؛ لأنهم كافرون بالله عز وجل ؛ فليس لهم حق أن يدخلوا المساجد إلا خائفين .
الثاني: أن هذا خبر بمعنى النهي ؛ يعني: لا تدعوهم يدخلوها إذا ظهرتم عليهم ، إلا خائفين.
الثالث : أنها بشارة من الله عز وجل أن هؤلاء الذين منعوا المساجد - ومنهم المشركون الذين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام - ستكون الدولة عليهم ، ولا يدخلونها إلا وهم ترتجف قلوبهم.
وقوله تعالى: { لهم في الدنيا خزي } أي ذل وعار { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } أي : عقوبة عظيمة.
وقد علمنا عاقبة من فعل ذلك ، من الشيوعيين الذين عطلوا آلاف المساجد في الجمهوريات الاسلامية إبان الثورة الروسية المجرمة ، وعلمنا أيضاً عاقبة النصارى الذين منعوا الناس قديما وصدوهم عن المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله ، وعلمنا أيضاً عاقبة من يمنع المسلمين في بلاد الإسلام من العبادة في المساجد التي أذن الله أن يُذكر فيها اسمه .
وننتظر العقوبات بالصهاينة الغاصبين المعتدين على بيوت الله تعالى بالهدم ومنع الصلاة فيها ، وقتل من فيها ، بأرض فلسطين المسلمة ، والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ، وما يقوم به أعداء الاسلام واجبنا أن ننتبه إليه وأن نتأمله ، وأن نتماسك ونتحد لنعلن للعالم أجمع : أن المسلم أخو المسلم ، وأن من يعتدى على مسلم ، هو عدو لجميع المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين ، يا ولي الإسلام وأهله ، يا رب العالمين .
والله أعلى وأعلم