كان يتكلم بنبرة عالية! وصوت متقطع من شدة الانفعال...
يكاد الشرر يتطاير من عينيه! يرفع يديه ويهزهما بقوة! شأن من يتحفز للانقضاض على عدو لدود...
وعندما يحاول أحد أن يهدّيه يزداد شراسة حتى أن ملامح وجهه تتغير؛ فتميل إلى اللون الأحمر بفعل شدة جريان الدم !!!
عندما شاهدت ذلك الأمر؛ ظننت أن هنك أمر جلل قد حدث، أوأن مصيبة كبرى قد وقعت...
وأخيرا أتضح أن هناك شخص قد أساء إليه قبل بضع سنين، وأنه لا زال يحمل الحقد والكراهية لذلك الشخص طيلة هذه المدة!!!
كان يتربص به الدوائر...
ينتظر فرصة ملائمة...
يريد أن ينتقم منه...
وبعد أن استنفذ ما عنده من طاقة...
وهدأت ثورته...
وجدتني اندفع بدون شعور لأخفف من غلوائه...
وأزحزح شيئا من الضغط النفسي الذي يكتم أنفاسه...
قلت له : اتق الله في نفسك؛ فقد الحقت بها من الأذى أضعاف ما حصل من خصمك...
اتق في صحتك؛ فإن كثيرا من الأمراض الخطيرة سببها شدة الانفعال النفسي الذي ينتج بسبب الأحقاد والظغائن...
لقد أساء إليك خصمك مرة واحدة، اما أنت فقد أسأت إلى نفسك آلاف المرات...
إن ما حدث لك هو قضاء قد كتبه الله عليك قبل أن تولد، وليس لك حيلة في دفعه أبدا...
ولاشك أنه من حسن إسلام المرء؛ أن ينقاد لأمرربه ويذعن، حتى لايقع في شَرَك الاعتراض على قدر الله، أو يغشاه السخط على قضاء الله؛ فيهلك...
ثم قلت له هون عليك الأمر، ولا تحرق أعصابك، وتفتت كبدك ...
إن هذا الأمر الذي سبب كل هذا الحقد يسير وتافه، ولا يستحق كل هذا الانفعال الذي يكاد أن يمزق قلبك...
ولا هذا الهم الذي يكاد يثقل كاهلك...
وربما أن ذلك الشخص لم يقصد الإساءة إليك، فقد يكون الأمر مزاحا أو سهوا...
وما دمت لم تنتصر لنفسك في الوقت الملائم؛ فهذا قدر قد كتب عليك؛ فسلم أمرك لله ولاتتبع النفس اللجوج هواها...
وأعلم أن سبب هذا البغض الشديد؛ أنك تنظر إلى سيئات هذا الرجل فقط، ويضخمها خيالك المسكون بالحقد، دون أدنى تفكير في حسناته، ولو أنك نظرت إلى الحسنات والسيئات، ثم مزجت بينهما لتغيرت المعادلة...
والخالق – سبحانه وتعالى – يطلب منا أن نُغلّب جانب الحسنات على جانب السيئات في هذه الحالة قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك بينه عداوة كأنه ولي حميم )
ثم ذكرت بعض الأبيات التي تدعوا إلى الترفع عن الأحقاد والظغائن، والاشتغال عنها بمعالي الأمور...
قال الشاعر:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ... ولا ينال العلا من طبعه الغضب
وقال شاعر آخر:
ولاأحمل الحقد القديـــــــم عليهم ... وليس ريئس القوم من يحمل الحقد
فنظرت إلى الرجل:
فإذا نفسه قد هدأت...
وغضبه قد سكت...
وثاب إليه رشده...
فحمدت الله على ذلك، ورجوت أن يسقيم حاله، ولايدع مثل هذه الصغائر تنغص عليه حياته...