فقدت مصر . في الأيام الأخيرة 3 ثلاثة من مفكريها وهم : دكتور محمد السيد السعيد . الأستاذ بيومي قنديل ، ثم الكاتب والمفكر دكتور مصطفي محمود .
والدكتور محمد السيد السعيد هو الباحث والمفكر ، ورئيس تحرير جريدة البديل - احدي الصحف الجادة التي صدرت في السنوات الأخيرة في مصر. كبديل عن صحف السلطان . الحكومية التي تكاد لا تعبر عن مصر ولا عن شعبها بقدر ما تعبر عن سلطان النظام العسكري البوليسي الاستخباراتي لقائم منذ عام 1952 ، وزمرة المنتفعين من استمراره - .
وقد كتب كثيرون يينعونه ، بما يستحق الرجل ، لعطائه الفكري ... وآخر من كرموا الفقيد الراحل – كما تقول نشرة يوم 5-11- 2009
منتدى الشرق الأوسط للحريات :
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومصريون ضد التمييز الدينى ومنتدى الشرق الأوسط للحريات
بحفل تأبين ضم نخبة من كبار المفكرين والمثقفين من زملاء الراحل الكريم وتلاميذه ومحبيه
وقد وصفت حركة " شركاء لأجل الوطن " في احدي نشراتها . المفكرين – محمد السيد السعيد ، بيومي قنديل – في نعيها لهما . باعتبارهما شهداء للفكر . لكون السلطة الحاكمة همشتهما في حياتهما ، وتجاهلتهما اعلاميا عند الممات ، بالرغم من عطائهما الفكري . لاجل الوطن والشعب والمستقبل ..
-----
دعونا نتكلم قليلا عن الدكتور مصطفي محمود . ثم نتكلم أكثر عن أقلهم شهرة واقلهم حظا من الذكر والتأبين . وهو الراحل " بيومي قنديل " .
عن دكتور مصطفي محمود . لا نظن أحدا من شباب جيلي والاجيال التي تلته . حتي الآن الا وقرا للدكتور مصطفي محمود . أو علي الأقل استمع كثيرا لبرنامجه الشهير " العلم والايمان " . بل ان عامة الشعب في مصر – ولعل شعوب باقي دول المنطقة أيضا – كانوا يحرصون علي مشاهدة هذا البرنامج .
والغالبية العظمي للمشاهدين . كانت تشدهم مادة ذاك البرنامج ، التي تحمل عجائبا من الطبيعة . نقلها دكتور محمود . من افلام تصويرية أجنبية وشرحها وعلق عليها بطريقته الجذابة ، وكان يربط بين ما بها من علم ، برباط من عنده . مع الايمان . ..
ليؤكد للناس أن ايمانهم علي حق . ويمكنهم من عدم تصديق من قد يسمعونه ، من عالم او مفكر علماني – او كافر .. - يتكلم عن حقائق العلم الحديث التي تضحد في غالبيتها العظمي ما قاله الايمان بالمعتقدات بجملتها . ..
ومن يتفهم العلم جيدا . وكذلك يتفهم الايمان والاديان تفهما جيدا . يعرف تماما أن العلم والايمان يختلفان اكثر بكثير مما يتفقان . وان كلاهما يكذب الآخر بأكثر مما يؤيده .
وقد كانت لدي فكرة ومادة كتاب ارد فيه علي بطلان مزاعم دكتور مصطفي محمود عن وجود صلة قربي ومصاهرة وثيقة بين العلم والايمان . . وكنت قد اعطيت كتابي هذا عنوانا هو " العلم والباذنجان " ولا ادري اين فقدت مني . ربما راحت ضمن ما راح من اوراق وكتابات، وكتب . صادرها جهاز الامن وقت اقتحام مسكني بالقاهرة والقاء القبض علي عام 2000 .
وانني لعل ثقة عالية من ان دكتور مصطفي محمود . هو اذكي وافهم واعقل واكثر علما وأغزر ثقافة و وعيا . من أن يصدق ما كان يدعيه من وجود صلة بين العلم والدين – الايمان – .
فلماذا كان يدعي مثل ذاك الادعاء ؟!؟
لانه ككثيرين من المفكرين التنويريين . الذين صدمتهم السلطات والمجتمع عندما كتبوا يصارحونهم بحقائق الدين وتاريخ ما جري للشعوب علي يد مؤسس الديانة المحمدية . واعوانه وخلفائهم .. فاضطر هؤلاء المفكرون الي التراجع عما قالوه . ابتداء من الشيخ علي عبد الرازق ، ثم " طه حسين " من بعده ، فالعقاد ، خالد محمد خالد ، وحتي د. مصطفي محمود ، وغيره – ان صح هذا الترتيب التراجعي - .
ولان دكتور مصطفي محمود رجل حاد الذكاء – لا نقصد النوع الايجابي من الذكاء – لذا فقد فضل ان يتعامل مع المسلمين والسلطات والمجتمع ككل . بموجب المثل الشعبي المصري القائل :
انصح صاحبك من الصبح للظهر . فان لم يعمل بالنصيحة . فضلله " .
وبالفعل . رأي دكتور مصطفي محمود . الذي رفض المجتمع ان يشتري بضاعته من الفكر الصادق . واتهمه بالكفر ، وادانه .. أن يبيع لهم الكذب والدجل الفكري باسم " العلم والايمان " – حسب طلبات الزبون - .. فكان يلوي رقبة الحقائق ليا . ليزعم للناس وجود علاقة وثيقة - لا وجود لها - بين العلم والايمان ... ! .
ففرح الناس بالبضاعة الجديدة للدكتور مصطفي محمود – العلم والايمان – بعدما كانوا يرددون انه كان قد كفر . وشك في دين هو قويم ، وفي قرآن هو كريم ..
فرضيت عنه السلطة الحاكمة – المؤمنة ! – ورضي عنه عامة الناس ، و رحبت كل بوابات الاعلام الحكومي ببضاعته الجديدة - العلم والايمان -. ففتح عليه الفتاح بالشهرة الكبيرة والاضواء والمال الوفير الذي انهمر عليه من وراء بيع مؤلفاته وبرنامجه المكون من سلاطة ، أو تبولة : العلم والايمان .
ولعل أطرف وأوضح دليل علي ما نقوله . ولنؤكد لكم أننا لا نفتري علي الرجل بشيء . و ما قلناه عنه هو عين الصواب :
راجعوا بأنفسكم الحلقة التي قدمها عن " نظرية دارون " .
فمن المعروف للجاهل والمتعلم معا . وللذكي كما لفاقد الذكاء سويا . ان نظرية دارون تنسف فكرة الايمان والاديان من جذورها . نسفا تاما .
ولكن الدكتور مصطفي محمود . قدم حلقة في برنامجه " العلم والايمان " عن نظرية دارون شاهدتها عشرات الملايين . باعتبار تلك النظرية تؤكد قدرة الله وتبرهن علي وجود علاقة توامة بين العلم والايمان ..!
ولا نتذكر أحدا البتة قد اعترض علي تقديم تلك الحلقة ..لا من شيوخ الدين ولا غيرهم . وذلك لان دكتور مصطفي محمود . كان يمتلك نفس القدرة الشعراوية – نسبة الي المرحوم الشيخ الشعرواي -. علي شل عقول من يشاهدونه . فلا يتحركون الا اعجابا وانبهارا بما يقوله ، بدون ادني تفكير أو مراجعة أو تدبر . بل فقط يصيحون : سبحان الله ، سبحان الله .. الله اكبر .. ! .
ويمكنكم مراجعة تلك الحلقة لتتاكدوا بانفسكم من ان خفة اليد – وخفة اللسان - ليست قاصرة فقط علي الحواة ، وانما تلك المهارة موجودة ايضا عند بعض المفكرين ، وكل شيوخ الدين ..
طاب مثوي دكتور مصطفي محمود . فقد كان مفكرا .. واي مفكر ؟